أيار 06، 2021
بيان مشترك
صادف الخامس عشر من آذار/مارس هذا العام الذكرى السنوية العاشرة لليوم الذي خرجَ فيه الشعب السوري إلى الشوارع للمطالبة بحقوقه والدعوة إلى وضع حدّ لعقود من القمع على يد نظام الأسد. إلّا أنَّ النتائج كانت مؤلمة جدًا. خلال الأعوام العشرة الماضية، تعرَّضَ السوريون لسنوات طويلة من الحصارات، والاعتقالات التعسُّفية، والتعذيب، والنزوح الجَمَاعي، وقُتِلَ مئات الآلاف منهم نتيجة القصف الجوّي العشوائي والجائر. بالتالي، أُجبر الملايين على الفرار هربًا من عنف الحرب والتهديدات التي تطال حياتهم وحرّياتهم على يد الأجهزة الأمنية السورية وحلفائها والجهات الأخرى غير التابعة للدولة. لجأ الكثيرون إلى البلدان المجاورة وأوروبا بحثًا عن ملاذٍ يضمن حقوقهم في العيش الآمن وحقوق الإنسان على أمل توفير الأمان لأنفسهم ولذويهم. لكنَّ الدنمارك تُهدِّد الآن بصيصَ الأمل هذا الذي تحقَّقَ بعدَ عناءٍ كبير.
تتركّز المعارك العسكرية في سوريا الآن في شمال البلاد بالدرجة الأولى، ما يدفع البعض إلى التأكيد على أنَّ عودة الفارّين أصبحت آمنة تمامًا. ولكنَّ هذه الفرضية بعيدة كلّ البعد عن الحقيقة لأنَّ الأمور ما زالت على حالِها. يُسيطر بشّار الأسد ونظامه الاستبدادي الآن على معظم مناطق البلد، وما زالَ يستخدم أسلوب القوّة والتخويف لممارسة سلطته المطلقة على الحكومة والشعب. فكلّ اللاجئين والنازحين من سوريا، وحتّى المواطنون العاديون، يُصنَّفون من قِبَل النظام ضمن خانة “الإرهابيين”، ولديهم بالتالي مخاوف مُبرَّرة من الملاحقة إذا عادوا. وقد أكَّدَ النظام هذه المخاوف علنًا، بِدليل التصريح الذي أدلى به عصام زهر الدين، في تشرين الأوّل/أكتوبر ٢٠١٧، وهو كانَ قائدًا كبيرًا في الجيش السوري آنذاك: “-إلى- هرب ومن فرّ من سوريا إلى بلد آخر، أتوسّل إليك ألّا تعود. -حتّى- إذا سامحتك الدولة، فنحن عهداً لن ننسى ولن نسامح. نصيحة لي منكم لا تعودوا أبداً”.
تعترف حكوماتٌ أجنبية عديدة بهذه الحقائق. في الأشهر القليلة الماضية، على سبيل المثال، اتّخذت الحكومتان الهولندية والكندية مواقف حازمة ضدّ انتهاكات حقوق الإنسان المستمرّة في سوريا. وفي أيلول/سبتمبر ٢٠٢٠، أعلنت الحكومة الهولندية أنّها تسعى إلى محاسبة سوريا بموجب القانون الدولي عن “الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”، ضمنَ آليةٍ قد تؤدّي في نهاية المطاف إلى رفع دعوى أمام أعلى محكمة لدى الأمم المتّحدة. كذلك، أعلنَ وزير الخارجية الكندي هذا الشهر أنَّ كندا “طلبت إجراء مفاوضات رسمية، بموجب اتّفاقية الأمم المتّحدة لمناهضة التعذيب، لمحاسبة سوريا على انتهاكات حقوق الإنسان التي لا تُعدّ ولا تُحصى والتي ارتُكِبَت بحقّ الشعب السوري منذ العام ٢٠١١”. تُقِرّ هذه المبادرات بالخوف المستمرّ الذي يعيشه السوريون يوميًا خشية التعرُّض للتوقيف والاعتقال والتعذيب، على غرار المصير الذي آلَ إليه ١٠٠,٠٠٠ سوري على مدار ١٠ سنوات من النزاع.[1]
ولكنْ، في تناقضٍ صارخ، منذ العام ٢٠١٩، أعلنت الدنمارك أنَّه هناك أجزاء من سوريا باتت “آمنة” وباشرت مؤخّرًا بحملةٍ سافرة لإلغاء أو رفض تمديد تصاريح الإقامة المؤقّتة الممنوحة للسوريين الذين اعتُبِروا أنّهم فرّوا فقط بسبب العنف العام السائد (القسم ٧.٣ من القانون الدنماركي المعني بالأجانب)، وليس استنادًا إلى خطر فردي ناجم عن عقوبة الإعدام أو التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة اللاإنسانية أو المهينة عند العودة (القسم ٧.٢ من القانون الدنماركي المعني بالأجانب). وفي الشهر الماضي، رُفِضَت الطلبات المُقدَّمة لحوالي ١٨٩ سوريًا وَجدوا الملاذ هناك بعد أن اعتقدوا أنَّهم استقرّوا وأمّنوا مستقبلهم. وثمّة حوالى ٥٠٠ سوري آخر في الدنمارك ينتظرون مصيرًا مشابهًا. على الرغم من أنَّ الدنمارك لا تستطيع ترحيل الأفراد الذين يرفضون العودة، ولكنْ يمكن إجبار الأشخاص الذين فقدوا إقامتهم المؤقّتة على المكوث في ما يُسمَّى بـ مراكز العودة، منفصلين عن ذويهم، ومن الممكن أن يخسروا مخصّصاتهم النقدية “إذا لم يتعاونوا عند مغادرتهم”.
يُشكِّل قرار الدنمارك سابقةً خطيرة للبلدان الأخرى التي تستضيف اللاجئين. فهذه الظاهرة تُهدِّد بالإطاحة بركن من أركان الحماية الدولية للّاجئين: مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يضمن عدم إعادة أيّ شخص إلى بلد قد يواجه فيه التعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو أيّ أضرار أخرى لا يمكن جبرها. ولإخفاء ما تفعله، تدّعي الحكومة الدنماركية أنَّها لا تنتهك التزامها بعدم الإعادة القسرية وتطلب فقط من السوريين الذين لم يتمّ تجديد وثائقهم أن يعودوا طوعًا إلى سوريا وإلّا يُنقَلون إلى مخيّمات الترحيل. ويأتي ذلك من بلدٍ كانَ من بين الدول الستّ والعشرين الأساسية التي صاغت اتّفاقية اللاجئين في العام ١٩٥١ حيث شغلَ مواطنها السيّد كنود لارسن منصب رئيس المؤتمر.
لا يخفى على أحد انه لا يوجد مكان في سوريا يمكن اعتباره مكانا آمنا بغض النظر عن القوى المسيطرة عليه، وبالتالي فليس من المنطقي أو الأخلاقي العمل على ارجاع السوريين الى اي منطقة في سوريا فضلا عن مناطق نظام الأسد. وعليه، نُناشِد الحكومة الدنماركية، والمجتمع الدولي، وجميع البلدان التي تستضيف اللاجئين، أن تنظر في واجبها الإنساني تجاه شعبٍ سبقَ أن عانى الكثير خلال السنوات العشر الماضية ويسعى جاهدًا لتوفير الأمن والأمان لعائلاته.
الموقّعون على مشروع «جسور الحقيقة»:
- المركز الدولي للعدالة الانتقالية
- مركز المجتمع المدني والديمقراطية
- مؤسسة اليوم التالي
- مؤسّسة بدائل
- اليوم التالي لدعم الانتقال الديمقراطي في سوريا
- النساء الآن من أجل التنمية
- دولتي
- المعهد السوري للعدالة
- مركز توثيق الانتهاكات في سوريا
- محامون وأطبّاء من أجل حقوق الإنسان
مشروع جسور الحقيقة هو نتاج الجهود المشتركة لتسع من منظمات المجتمع المدني التي تعمل في شراكة معاً منذ أربع سنوات. هذا هو المشروع الرئيسي الثاني للمجموعة وواحد من عدة منتجات ومبادرات تهدف إلى رفع مستوى الوعي حول محنة الضحايا السوريين، والعمل الملهم لتعزيز حقوقهم، والعدالة الشاملة للجرائم التي مروا بها. تقدم كل منظمة للمجموعة زاوية مختلفة ومجموعة فريدة من نقاط القوة، لكنها جميعا تركز على تعزيز العدالة في مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة النطاق التي تُرتكب ضد السوريين.