المعتصم السيوفي، المدير التنفيذي لمؤسسة اليوم التالي.
قبل عشر سنوات، هتف نساء ورجال سوريّون للحريّة والكرامة في شوارع سوريا، مسدّدين أول ضربة لجدران السجن الأسدي الأبدي الكبير الذي طوقتنا أسواره جميعًا، ومعلنين موت الأبد في سوريا. تجمّعت لديهم كل أسباب الثورة في وجه هذا النظام المستبّد الفاسد، وامتلأت نفوسهم بالأمل الذي ولد مع ربيع العرب فكانت القيامة، وفُتح فصل جديد في تاريخ سوريا والمنطقة.
بعد عقد من الوعود الكاذبة بالإصلاح، سلك الأسد طريق العنف والدم بدلًا عن الحوار والاستجابة لمطالب الناس، ومع مرور الزمن واشتداد العنف، تعقّد المشهد وركبت موجة معاداة النظام فئات متطرّفة ذات مصالح أنانية ضيّقة، ومشاريع استبدادية بديلة، أوغلت في دم السوريين وكرامتهم، ثم تعقّد المشهد أكثر فتقاسمت جيوش أجنبية النفوذ في أرضنا.
ليس حالنا بخفيّ على أحد، فالمأساة تفقأ العين ولم تترك بيتًا سوريًا بعيدًا عن متناولها. مئات آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين والمغيّبين، وملايين المهجّرين، ودمار في البنية التحتية، واضمحلال رأس المال البشريّ والاقتصاديّ لسوريا، وما يزال المسؤول الأول عن كل ذلك قابعًا في قصره مستعدّ للتضحية بآخر إنسان سوري في سبيل البقاء على كرسيه.
لكن دوام الحال من المحال، والتغيير سُنّة كونية مهما طال الزمن، والأمل معقود على شابات سوريا وشبّانها، المبدعين في كل المجالات حين تتوفّر لهم الظروف الملائمة أن يقوموا بما قام به غيرنا من الشعوب التي دمرتها الحروب فأعادوا بناء أوطانهم وجعلوها في مقدّمة الأمم.
إنّنا في مؤسسة اليوم التالي نؤمن بأن خلاص شعبنا من محنته يكون بإنهاء نظام الاستبداد، والانتقال نحو نظام وطني ديمقراطي لا مكان فيه للطغاة ولا للمتطرّفين وأجنداتهم، يتساوى فيه السوريون نساءً ورجالاً، ويتمتّعون بحقوق المواطنة المتساوية دون أي تمييز وفقاً لأي اعتبار. إننا نسعى لبناء نظام يضمن الأمن والاستقرار، والتنمية المتوازنة للشعب السوري، وتحترم فيه حقوق الإنسان كافةً وفق ما نصت عليه العهود والمواثيق الدولية، ويحاسب فيه منتهكو هذه الحقوق أمام قضاء عادل. ننحاز في عملنا لهذه القيم والأهداف، ونعمل على تقديم ما أمكن من دعم للناجيات والناجين من انتهاكات حقوق الإنسان، ونحرص بالتضامن مع شركائنا في المجتمع المدني السوري الناشئ على تعزيز الفاعلية المجتمعية، والدفع بأقصى ما نستطيع لأن يستجيب أي حل سياسي للقضية السورية لأهداف الثورة الأصيلة في الحرية والكرامة والديمقراطية والمساواة، وبأن يعاد بناء بلدنا على أُسس جديدة تعالج الأسباب الجوهرية التي ثار السوريون من أجلها.
كلنا أمل أن ترتفع المعاناة عن شعبنا في القريب العاجل، وأن تشفى جراحات المعذّبين، وأن يعود المهجرون إلى بيوتهم، وأن تستعاد وحدة الشعب السوري وسيادته على أرضه، وأن تشرق الحرية والكرامة على سوريا شمساً لا تغيب.