مقال راي: المرسوم رقم 5 ينتهك حقوق ملكية العقارات للسوريين

مقال راي: المرسوم رقم 5 ينتهك حقوق ملكية العقارات للسوريين

كتبه: عباس الموسى

يعيش السوريون الأيام الأولى من العام العاشر من الصراع الذي فرضه عليهم نظام الحكم في سوريا رداً على مطالبهم السلمية المحقة في العيش الكريم و إطلاق الحريات , ولم يقتصر بطش النظام السوري بعمليات عسكرية و أمنيّة بل و أيضا بإصدار حزمة من القوانين هدفها التضييق على معارضيه و تجريدهم من حقوقهم بشتى الطرق القانونية و التي كان أكثرها خطورة تلك التي تخص حقوق الملكية و الشؤون العقارية التي لها كبير الأثر في اجتثاث معارضيه من مواطنهم الأصلية و إحداث التغيير الديموغرافي الذي ينشده في سوريا وبالتالي إضعاف أمل العودة لكل من هرب من بطشه وإجرامه.

أصدر النظام السوري مجموعة من القوانين التي تؤدي إلى سلب الملكية ومنها قانون الارهاب الذي يتيح له مصادرة أملاك أي شخص يتهم بالإرهاب و هي التهمة التي يوجهها جزافاً إلى كل من عارضه من السوريين، كما تبعه عدة قوانين و مراسيم تشريعية بحجة تنظيم الشأن العقاري في سوريا و كان أخطرها القانون رقم عشرة للعام 2018

مؤخرا قام النظام السوري و عن طريق مجلس الوزراء بإصدار القرار رقم 5  بتاريخ 21.01.2020   و القاضي بأنه على الجهات المختصة بإجراءات نقل الملكية العقارية وملكية المركبات والكاتب بالعدل ألا يقوموا بتوثيق عمليات البيوع والشراء إلا في حال إرفاق ما يشعر بأنه ًتم إيداع الثمن كاملاً أو جزئياً في حساب المالك أو ورثته أو من يمثله قانونياً من حساب المشتري وقد أكد القرار على تسهيل إجراءات فتح حساب بنكي أمام الراغبين بذلك سواء كان سورياً أو أجنبياً شخصاً طبيعياً أو اعتباريا

وفي مطالعة هذا القرار و خلفياته و الظروف المحيطة بإقراره التي يعيشها الاقتصاد السوري في مناطق سيطرة النظام الأمر الذي ينذر بانهيار اقتصادي وشيك إثر التدهور الكبير لليرة السورية التي تراجعت أكثر من عشرة أضعاف أمام الدولار الأمريكي عما كانت عليه قبل عام 2011 يرجح الكثير من المتابعين أن الغاية من هذا القرار هو محاولة حكومة الأسد دعم الليرة السورية من خلال سحب السيولة الموجودة بين أيدي الناس ممن فقدوا الثقة بوضعها في البنوك نتيجة سياسة الحكومة , وبهذه العملية تتوقع الحكومة زيادة الطلب على الليرة السورية و بالتالي تحسنها و لو كان بشكل طفيف أمام الدولار الأمريكي.

وفي قراءة مخالفة للرأي القائل بأن القرار ما هو إلا عملية تنظيم لحركة البيوع والشراء للعقارات والمركبات والتشجيع على التعامل بالدفع الالكتروني الذي يعمل النظام السوري على تكريسه ليحصر التعامل بالليرة السورية بعيدا عن الدولار الأمريكي يرى آخرون ونحن منهم بأن هذا القرار فيه تعد على حق الملكية للسوريين و ذلك للأسباب التالية:

  • يجبر هذا القرار كل من البائع والشاري على التعامل عن طريق البنوك و بالتالي انتفاع هذه البنوك على حساب هؤلاء من خلال اقتطاع رسوم على انتقال الأموال و بالتالي القيام بإجباره السوريين على عمل تجاري لتحقيق أرباح لمصلحة هذه البنوك.
  • التهديد الذي يسببه ايداع الأموال في البنوك إذ أن الاقتصاد المتهالك في سوريا ينذر بخطر الانهيار وهذا يجعل من الطبيعي عزوف الناس عن إيداع أموالهم لدى البنوك خوفاً من عدم قدرتهم على استرجاعها لاحقاً وكمثال على ذلك ما يحصل حاليا في لبنان إذ أنه وبسبب الاضطرابات الحالية تمتنع البنوك عن الاستجابة للمواطنين باستعادة ودائعهم .حق الملكية هو حق تصونه الشرائع الدولية و دساتير الدول ومن بينها دستور سوريا 2012 و إن هذا الحق يعطي صاحبه ثلاثة حقوق أساسية و التي في حال التعدي على أحدها يعتبر تعدياً على حق الملكية وهي حق الاستعمال و حق الاستغلال و حق التصرف
  • لو نظرنا في القرار رقم 5 الصادر عن حكومة الأسد في دمشق لوجدنا أنه يفرض قيوداً على حق التصرف بالملكية من خلال إجبار المالك على طريقة تصرف معينة و من هنا نرى بعدم شرعية و دستورية هذا القرار و النظام السوري خالف الدستور الذي بالأساس وضعه على مقاسه في خضم الصراع الدائر في سوريا.

ليس بعيداً عن نظام مجرم شرد نصف الشعب السوري و نكل به أن يهدف من هذا القرار إلى تفويت الفرصة على المهجرين قسرياً و النازحين الاستفادة من ملكياتهم و التصرف بها بعيداً عن دوائر النظام حيث أن معظم المشردين داخلياً هم من سكان مناطق السكن العشوائي أو المناطق الخارجة عن التنظيم العمراني و مملوكة على الشيوع حيث كانوا يستطيعون سابقاً البيع و الشراء عن طريق المحكمة أو بعقد لدى الكاتب بالعدل , وبموجب هذا القرار لم يعد بمقدورهم التصرف بأملاكهم التي أجبروا على تركها لأنهم لا يستطيعون فتح حساب بنكي والتعامل من خلاله

إن قراءة بسيطة في هذا القرار تؤكد يوماً بعد يوم أن السوريين لديهم كل الحق في عدم الثقة بنظام الأسد وبأن كل ما يصدر من قرارات و قوانين ما هي إلا في خدمته و لتحقيق مصالحه على حساب دماء و حقوق السوريين الذين أرهقهم إجرام الأسد على مر السنوات التسع الماضية

تعمل مؤسسة اليوم التالي على حماية حقوق الملكية في سوريا و خصوصاً تلك المتعلقة بالمهجرين قسرياً و النازحين كما تعمل و بالتنسيق مع الشركاء المحليين و الدوليين لايجاد أنجع السبل من أجل رصد و توثيق هذا الكم الهائل من الانتهاكات من قبل النظام السوري و إيجاد الأطر والآليات لوضع رؤى و خطط مستقبلية لمعالجتها

إن إجبار النظام السوري على إيقاف اغتصابه لحق الملكية و عملية التغيير الديموغرافي التي يبتغيها في سوريا تتطلب تضافر جهود كل المتعاطفين مع قضية الشعب السوري والمؤمنين بالانتصار لحقوق الانسان من دول ومنظمات وهيئات دولية وإقليمية ومحلية .

عباس الموسى مختص في الإسكان والأراضي والممتلكات ومدير برامج في اليوم التالي.