نشرت منظمة اليوم التالي نتائج استطلاع رأي حول توقعات السوريين والسوريات من مجموعة قيم مرتبطة بمفهوم اللامركزية، وإسقاطاته المستقب المختلفة على الأصعدة السياسيّة والمجتمعيّة والحوكميّة.
اعتمدت منهجية الاستطلاع، المنشور في كانون الثاني 2022، مجموعة من المؤشرات الإحصائية لدراسة انطباعات السوريين حول اللامركزية وأثرها على مستقبل سوريا في مرحلة ما بعد الصراع، فيما يخص العلاقة بين المركز والمحليّات، بالإضافة إلى دور اللامركزية في زيادة الانخراط المجتمعي والتمثيل السياسيّ وتطبيق مبادئ الحكم الرشيد، وتحقيق العدالة للضحايا، وبناء السلام المحلي، ودعم الاستقرار.
العيّنة المكونة 2500 سوري وسوريّة (53.2% نساء و46.8% رجال)، أبدت ميلاً واضحاً نحو اعتبار اللامركزية حاملاً إيجابياً للتغيير وأداةً سياسية تحويلية، قادرة على دعم الاستقرار وبناء السلام وتحقيق الانتقال الديمقراطي في سوريا.
إذ وافق ما نسبته 77.6% من العينة على أن اللامركزية المستقبلية في سوريا سيكون لها دور داعم في عملية الانتقال الديمقراطي في البلاد، ووافق ما يقارب 77.5٪ منهم على أن اللامركزية في سوريا سيكون لها دور في تخفيف حدّة الصراع وبناء السلام المحليّ، في حين انخفضت نسبة الموافقة إلى 59% عند السؤال عن دور اللامركزية في تحقيق العدالة للضحايا وتعويضهم وجبر ضررهم.
وعلى الرغم من حدة الاستقطاب السياسيّ والأيديولوجيّ، وانتشار بنى حوكمية وديناميّات عسكرية وسياسيّة مختلفة، إلّا أن هناك تقارباً واضحاً في آراء العيّنة المستبينة حول ضرورة تقليص صلاحيات السلطة المركزية على حساب توسيع الأدوار الخدمية والاقتصادية والسياسية للمحليّات المنتخبة.
بينما اختلفت وجهات نظر المستطلعين من مجموعة تفاصيل تعلق بنظام اللامركزية بناء على القومية، فبينما وافق ما يقارب من الـ 78% من العيّنة على أن يكون لمجالس المحافظات المنتخبة أدواراً تشريعية بما لا يتعارض مع الدستور العام للبلاد، كانت نسبة الموافقة عند المستبينين الكُرد أعلى مقارنة بالعرب والشركس والتركمان والأرمن.
على مستوى مناطق النفوذ العسكري، لم يقتصر الارتفاع في نسب الموافقة على الأدوار التشريعية للمحليّات على المستبينين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، بل أبدى 76% من المقيمين في مناطق سيطرة النظام موافقتهم على إعطاء هذه الأدوار للمحافظات بعيداً عن سلطة المركز.
فيما يخص القضاء، أبدى 69% من كامل العيّنة موافقتهم على أن تكون لكل محافظة سورية محاكم قضائية مستقلّة خاصة بها، تعمل ضمن الحدود الإدارية للمحافظة، وفقاً لقوانين وتشريعات محليّة لا تتعارض مع الدستور العام للبلاد.
وأبدت نسبة 76.8% من كامل العيّنة موافقتها على حق المجالس المحلية المنتخبة في اعتماد لغات أخرى غير اللغة العربية الرسمية للدولة، على المستوى المحلي، وذلك بحسب التوزع القومي والإثني في الوحدات الإدارية التابعة لهذه المجالس.
أوصى معدو استطلاع الرأي بإدراج محددات دستوريّة واضحة للامركزية في سوريا على المستوى الإداري والمالي والتنظيمي، بالشكل الذي يُقيّد قدرة المشرع السوريّ على تطويع هذا المفهوم وفقاً للمزاج السياسيّ للسلطة الحاكمة، مع تقليص صلاحيات رئيس الجمهوريّة والسلطة التنفيذيّة، وضمان الفصل التام بين السلطات وحصريّتها في ممارسة اختصاصاتها، بالشكل الذي يمنع تغوّل السلطة التنفيذية في إدارة الشؤون المحليّة للوحدات اللامركزية.
ودعا المعدون إلى استثمار التقارب في وجهات النظر من اللامركزية بين السوريين والسوريات من مختلف الأطياف، لإقامة سلسلة واسعة من الحوارات المجتمعيّة على المستوى المحليّ، في مناطق النفوذ المختلفة، بغرض الإلمام بالتوافقات والاختلافات حول أسس ومحددات اللامركزية المستقبلية.